معالي !! حين تكتب للمعالي
معالي رائف حين تكتب ، تصل الى معالي الروح والوجدان، وتثمل القارئ، فتتركه مترنحاً على أرجوحة القمر، وأرجوحة القمر هذه كانت تتأرجح منذ عام 1938 حين أصدر الشاعر صلاح لبكي مجموعته الشعرية الذائعة "أرجوحة القمر" ، وقد كنا تعلمنا قصيدة جميلة عن تناثر أوراق الخريف التي يقول فيها ميخائيل نعيمة :
يا مرقص الشمسِ
ويا أرجوحةَ القمرْ
لكن ذلك لا يعني أن الشاعرة تقتطف من التعابير الجميلة وتزج بها في نسق قصائدها. لا ، فإن معالي توظف هذه التعابير توظيفاً جديداً عذباً وساحراً، وقد يكون لا منطقياً، ولكن من قال إن المنطق والشعر صنوان، إنهما بحران بينهما برزخ لا يبغيان. فالشعر يسبح في بحر الخيال، وينبع من القلب، وحكايتة الصورة، حكاية أعمق ما في الإنسان، وأقدس ما فيه صلاة ترتفع من أعمق أعماقه. والحالة الشعرية، هي الحالة التي تتعطّل معها، القوى المبرهنة، المستنتجة، المختبرة، حالة انعتاق النفس والاستسلام للأحلام والتأمل في الصور التي يبتدعها الخيال.
إنها تغني بسحر ولوعة، وتسهر حانية على قصائدها ، وتستسلم لأحلامها. فلا يمكننا مناقشة القصيدة منطقياً، فالشاعرة تصور ميلاد القصيدة ، وعملية الإبداع، حيث " تغادر الى مقهى كلماتها... تستحضر الندى والطرب والقمر " " لتستعيد طقوس القصيدة.
ذلك لعمري هو أعذب الشعر، فالجمع بين هذه الثلاثة أعني الندى والطرب والقمر هو في حد ذاته فتح رومانسي عظيم، فكيف يكون "استحضار" هذه الثلاثة لاستعادة طقوس القصيدة. إن هذا لا يكون إلا في الشعر.
ويأتي التوظيف الجديد للتعبير الشعري في قولها:
هيَ!! حينَ تَكتب
في كلِ لَيلةٍ
تَتركُ أنهاراً منَ الحُب
على أرجوحةِ القَمر
لِيغتَسلَ بها الفَجر
وَتُشرقُ شمسَ الحَنين
مُعلنةً إيقاعَ الأمل
رافِضةً
إحتضانِ الوَجع
في صَدرِ النَهار!!
وقد كان بإمكانها القول المستهلك:
تترك أنهاراً من "الدمع"
لِيغتَسلَ بها الفَجر
ولكنها اختارت الدائرة المجازية الأوسع ، والصورة التمثيلية الرائعة .
فهل رأيتم فجراً يغتسل، بأنهار من الحب... نعم رأينا مثل ذلك عند جبران خليل جبران في قصيدته الخالدة : اعطني الناي وغنِ
هل تحممت بعطر وتنشفت بنور
وشربتَ الفجر خمراً فى كؤوسٍ من أثير
هل جلست العصر مثلي بين جفنات العنب
والعناقيد تدلت كثريات الذهب
هل فرشت العشب ليلاً وتلحفت الفضاء
زاهداً في ما سيأتي ناسياً ما قد مضى
وقولها:
" وَحينما تُسافر
تُخَبئ الفَوضى بِجيوبِ الأرض
تَمحو كل غَريب
تَعتزلُ ما كان
وَتُغادرُ
إلى مَقهى كَلماتها
أسيرة في حضرةِ الصَمت"
إن الحركة التي في القصيدة ، حينما تسافر، والشاعر في سفر دائم ، في ترحال مستمر ، وتغادر .... وحينما تصل الى مقهى الكلمات تقف أسيرة في حضرة الصمت . الصمت هذا البحر الشاسع من الكلام المباح وغير المباح. وكلمة تقف تعلن انعدام الحركة، الصمت .
لقد كان استعمال الفعل المضارع في القصيدة موفقاً:
تكتب، تترك، يغتسل، تشرق، تخبئ، تمحو، تغادر، تستحضر ، تحط، ترفرف. كلها في مخاض ميلاد القصيدة.
وكان استعمالها للفعلين : تحطُّ ، وترفرف إيذاناً بنهاية القصيدة، من عالم الطير حين يحط على الأرض بعد سفر طويل ليلتقط أنفاسه.
ثم تأتي خاتمة القصيدة الشينية بشكل موفق مفعم بالعذوبة والرقة بترادف حرف الشين المهموس في قولها:
وَيرتشفُ الشَوقُ ذلكَ الشَغف
المُنسدلِ من أطرافِ القَصيدة!!
وفي قصيدة أخرى تقول :
عانقت الغروب وقالت:
كن صديقيي
وضعت رأسها على صدر القمر
هذا الشعر يشهد أن معالي تغترفُ من بحر ولا تنحتُ في صخر، وتحلق في سماء الكلمات على طائر خرافي سرمدي الروح، أبدي العطاء.
ولا أحب الإطالة على القراء ، فالبقية تاتي، والصبح قريب.
ولكن لتسمح لي الشاعرة أن أهمس بالنصيحة إذ عليها الاهتمام بقواعد اللغة، مع أن ذلك لا يضير القصيدة شيئاً ، فلماذا هذه الكسرة التي تكسرت الغيورين على الضاد في كلمة " المنسدل" وفي كلمة احتضان في قولك:
رافِضةً
إحتضانِ الوَجع
وأحب أن أقول للقراء أنني أشهد ميلاد شاعرة تحمل القمر بين أصابعها، والآن أصبح الأمر أن تحثي السير الى الامام بقصائد تكون بنفس المستوى أو أعلى، لا تتعجلي الشهرة، واتركي لروحك العنان لتحلق في سماء الشعر.
وتقبلي تحياتي
أخوك سامي ادريس
معالي رائف حين تكتب ، تصل الى معالي الروح والوجدان، وتثمل القارئ، فتتركه مترنحاً على أرجوحة القمر، وأرجوحة القمر هذه كانت تتأرجح منذ عام 1938 حين أصدر الشاعر صلاح لبكي مجموعته الشعرية الذائعة "أرجوحة القمر" ، وقد كنا تعلمنا قصيدة جميلة عن تناثر أوراق الخريف التي يقول فيها ميخائيل نعيمة :
يا مرقص الشمسِ
ويا أرجوحةَ القمرْ
لكن ذلك لا يعني أن الشاعرة تقتطف من التعابير الجميلة وتزج بها في نسق قصائدها. لا ، فإن معالي توظف هذه التعابير توظيفاً جديداً عذباً وساحراً، وقد يكون لا منطقياً، ولكن من قال إن المنطق والشعر صنوان، إنهما بحران بينهما برزخ لا يبغيان. فالشعر يسبح في بحر الخيال، وينبع من القلب، وحكايتة الصورة، حكاية أعمق ما في الإنسان، وأقدس ما فيه صلاة ترتفع من أعمق أعماقه. والحالة الشعرية، هي الحالة التي تتعطّل معها، القوى المبرهنة، المستنتجة، المختبرة، حالة انعتاق النفس والاستسلام للأحلام والتأمل في الصور التي يبتدعها الخيال.
إنها تغني بسحر ولوعة، وتسهر حانية على قصائدها ، وتستسلم لأحلامها. فلا يمكننا مناقشة القصيدة منطقياً، فالشاعرة تصور ميلاد القصيدة ، وعملية الإبداع، حيث " تغادر الى مقهى كلماتها... تستحضر الندى والطرب والقمر " " لتستعيد طقوس القصيدة.
ذلك لعمري هو أعذب الشعر، فالجمع بين هذه الثلاثة أعني الندى والطرب والقمر هو في حد ذاته فتح رومانسي عظيم، فكيف يكون "استحضار" هذه الثلاثة لاستعادة طقوس القصيدة. إن هذا لا يكون إلا في الشعر.
ويأتي التوظيف الجديد للتعبير الشعري في قولها:
هيَ!! حينَ تَكتب
في كلِ لَيلةٍ
تَتركُ أنهاراً منَ الحُب
على أرجوحةِ القَمر
لِيغتَسلَ بها الفَجر
وَتُشرقُ شمسَ الحَنين
مُعلنةً إيقاعَ الأمل
رافِضةً
إحتضانِ الوَجع
في صَدرِ النَهار!!
وقد كان بإمكانها القول المستهلك:
تترك أنهاراً من "الدمع"
لِيغتَسلَ بها الفَجر
ولكنها اختارت الدائرة المجازية الأوسع ، والصورة التمثيلية الرائعة .
فهل رأيتم فجراً يغتسل، بأنهار من الحب... نعم رأينا مثل ذلك عند جبران خليل جبران في قصيدته الخالدة : اعطني الناي وغنِ
هل تحممت بعطر وتنشفت بنور
وشربتَ الفجر خمراً فى كؤوسٍ من أثير
هل جلست العصر مثلي بين جفنات العنب
والعناقيد تدلت كثريات الذهب
هل فرشت العشب ليلاً وتلحفت الفضاء
زاهداً في ما سيأتي ناسياً ما قد مضى
وقولها:
" وَحينما تُسافر
تُخَبئ الفَوضى بِجيوبِ الأرض
تَمحو كل غَريب
تَعتزلُ ما كان
وَتُغادرُ
إلى مَقهى كَلماتها
أسيرة في حضرةِ الصَمت"
إن الحركة التي في القصيدة ، حينما تسافر، والشاعر في سفر دائم ، في ترحال مستمر ، وتغادر .... وحينما تصل الى مقهى الكلمات تقف أسيرة في حضرة الصمت . الصمت هذا البحر الشاسع من الكلام المباح وغير المباح. وكلمة تقف تعلن انعدام الحركة، الصمت .
لقد كان استعمال الفعل المضارع في القصيدة موفقاً:
تكتب، تترك، يغتسل، تشرق، تخبئ، تمحو، تغادر، تستحضر ، تحط، ترفرف. كلها في مخاض ميلاد القصيدة.
وكان استعمالها للفعلين : تحطُّ ، وترفرف إيذاناً بنهاية القصيدة، من عالم الطير حين يحط على الأرض بعد سفر طويل ليلتقط أنفاسه.
ثم تأتي خاتمة القصيدة الشينية بشكل موفق مفعم بالعذوبة والرقة بترادف حرف الشين المهموس في قولها:
وَيرتشفُ الشَوقُ ذلكَ الشَغف
المُنسدلِ من أطرافِ القَصيدة!!
وفي قصيدة أخرى تقول :
عانقت الغروب وقالت:
كن صديقيي
وضعت رأسها على صدر القمر
هذا الشعر يشهد أن معالي تغترفُ من بحر ولا تنحتُ في صخر، وتحلق في سماء الكلمات على طائر خرافي سرمدي الروح، أبدي العطاء.
ولا أحب الإطالة على القراء ، فالبقية تاتي، والصبح قريب.
ولكن لتسمح لي الشاعرة أن أهمس بالنصيحة إذ عليها الاهتمام بقواعد اللغة، مع أن ذلك لا يضير القصيدة شيئاً ، فلماذا هذه الكسرة التي تكسرت الغيورين على الضاد في كلمة " المنسدل" وفي كلمة احتضان في قولك:
رافِضةً
إحتضانِ الوَجع
وأحب أن أقول للقراء أنني أشهد ميلاد شاعرة تحمل القمر بين أصابعها، والآن أصبح الأمر أن تحثي السير الى الامام بقصائد تكون بنفس المستوى أو أعلى، لا تتعجلي الشهرة، واتركي لروحك العنان لتحلق في سماء الشعر.
وتقبلي تحياتي
أخوك سامي ادريس