الخميس، 28 يونيو 2012

نقد وتحليل الشاعر يوسف أحمد أبو ريدة

المطر
سمعتُ كمنجات المطر
انخذت حواسك رحلة
دون خريطة
كم أحبّ المكوث هناك
أخطو لأخرج من دم الواقع
وأستنكر مواجهات الدقائق
التي تود إعادتي لروتين الزمن
الباهت
أما صوت الشاعرة فليس أقل من صوت كمنجات المطر التي تكسر العادي المكرور في مشهد الصورة الحسية بجانبها السمعي الذي أكتب فيه عن ديوانها خطوات أنثى ….وصوت الكمنجات المنتظم الذي ينظم في ثناياه انهمار المطر … لا يكسر الروتين والصمت فحسب بل يكسر من حدة الروتين في تناول القصائد الموقعة بوزن تستطيعه معالي لكنها لا تريده لنصوصها ..
لم تأت كلمات ” حواسك” و” خريطة ” اعتباطا في نصوص معالي، بل جاءت ذات بعد استرتيجي في إنتاجها الأدبي كله … فهي سيدة التعامل مع الصور الممتدة عبر الحواس اللمسية والسميعة والبصرية .. الخ…
وما دموية الواقع بلونها الأحمر بخارجة من هذه الدائرة الحسية وإن كنا نركض فيها خلف كنايات ودلالات الدموية التي توحي بالقتل … لكنها تبقى ضمن خانة الصورة اللونية التي تتقن معالي نظم مكوناتها لتكون مشهدا فنيا ساحرا…. وما اختيارها لكلمة الباهت إلا ضمن هذا الإطار الجمالي الذي اختطته أميرة الكلمات المقمرة في أعمالها الأدبية .
في الفضاء الزماني الذي ترسمه معالي في الأسطر ثمة شيء مبهر : هو كلمات متواشجة تشكل مع بعضها ملمحا زمانيا تكاد تصنعه هي :رحلة – المكوث والخروج- الدقائق- روتين الزمن الباهت ….
وإذا كان الزمن الباهت محكوما بروتين مقيِّدٍ للحرية، فإن معالي تخرج عليها خروجا إبداعيا تتمثل في رحلة غير محدودة بزمن ولا بجغرافيا يعرفها الناس أو يتعارفون عليها…. فالخريطة التي تدل على الأماكن والجهات قس عرف الإنسان اتخذت شكلا جديدا ولها مهمات أخرى … إذ إن الرحلة مطلقة بما فيها المادي والمعنوي.. والخريطة هي حواسّه هو، لا خريطة الناس، أي اللمس والسمع والبصر والذوق والشم، وربما أضافت الحاسة السادسة أيضا ……
وما يقوي ما أذهب إليه فضلا عن بروز ذلك في إنتاج معالي الأدبي هو العلاقة بين الفعل والفاعل في النصوص …..ومن الملاحظ أن النص يغلب عليه الأسماء وتنحصر الأفعال فيه كما يأتي:
الفعل الماضي : في النص فعلان ماضيان هما : سمع ( وفاعل ضمير المتكلم أي أنا الشاعرة) واتخذ( وفاعله أنا الشاعرة )
الفعل المضارع : في النص ثلاثة أفعال مضارعة فاعلها أنا الشاعرة (الضمير المستتر العائد عليها) في الأفعال: أحب، أخطو، أستنكر,,,,
وثمة فعل مضارع رابع فاعله غير مقطوع به – كما أرى- وذلك في فعل ” تود” في جملة :
( وأستنكر مواجهات الدقائق التي تود إعادتي لروتين الزمن الباهت ) إذ تجيز اللغة أن يكون الفاعل ضمير مستتر تقديره هي تعود على كلمة ” مواجهات” وربما يكون هذا الأرجح، لكنها لا تنفي أن تكون كلمة ” الدقائق” هي الفاعل .. أي إن الفاعل جزء من الزمن الذي تمقته أنا الشاعرة .
وعلى كل حال ترى أن عدد الأفعال في النص ستة أفعال بواقع فعلين ماضيين أي مقدار الثلث، وأربعة افعال مضارعة بواقع ثلثين…. بمعنى إن حاضر الشاعرة الذي تريده ينتصر على ماض وروتين يراد له أن يعود.
وتجد أن الفاعل في خمسة أفعال هو أنا الشاعرة، ويكون الفاعل المواجهات أو الوقت في فعل واحد أي يشكل السدس فقط…وبهذا تنتصر الشاعرة في حاضرها وفاعلية دورها على الماضي المسكون بالروتين والقيد….
النص الثاني
يا لَيل الإبقاعِ الحِسِي
رِفقاً بأُنثى لا زالتْ تتعلم طُقُوس السَهر
سأدعُوكَ لوجبةِ إسترخاءٍ وسكُون
مع كُوبٍ ساخنٍ من الحنانْ
وبعض المشاعِر
لتدلنِي على نُقطة التحلِيقِ
من هُنا إلى ما لا نهاية!!
النص هنا أبعد من المادي وأسمى من الحسي، فربما كانت بعض الألفاظ الحسية في النص موحية بالجانب الحسي إلا أن عمق النظرة يكشف عن تحليق روحي مذهل ….فالنص زمانيّ المبتدأ ، مكانيّ المنتهى، صوفي الروح والتحليق…يبدأ بالليل وينتهي بال( ما لا نهاية )….في طقوس متحولة جديدة … كأن الشاعرة تجتاز آفاق الزمان والمكان محلقة بروحانية صافية بعيدة عن إيحاءات اللغة القاصرة بالجسدية والحسية …. إذ إنني أحسب أن بعض الألفاظ الأخرى تكفّ المتأمل عن التعمق في الجانب الحسي والتوجه إلى الجانب الروحي…
طقوس التحليق روحانية مطلقة، لا اقتراب فيها من الطقوس الحسية المعروفة وإن كانت تفيد منها في تكوين جو روحاني في حضرة الإبداع والنص والقصيدة…وأول الألفاظ الدالة على هذا الكفّ كلمة تتعلم، ففي هذه الطقوس هدف آخر… غير هدف التمتع الذي يوحي به طقس مادي مشابه لكنه غير موجود هنا…. وأما كلمة طقوس فهي كلمة روحانية بامتياز ، وما انطباقها على أفعال خاصة في ديانات مختلفة يقوم بها المتعبدون إلا دليل ينفي الطقس الحسي، ويؤيد ذلك أن كلمة ” الوجبة ” التي تدخل في حقل الأكل والمجالس موحية ” بالواجب” نفسه، والواجب والوجوب روحانيان، بدليل خروج لفظ ” الوجبة ” من معناه المعجمي إلى دلالة أخرى ” وجبة استرخاء وسكون” في مقابل الإيقاع الليلي … فهو التأمل العقلاني والروحاني، وبخاصة أنه يأتي في حضرة ” كوب ساخن من حنان “… فالحنان الحسي أو الجسدي لا يصب في الأكواب الساخنة ….. إنما هي جرعات روحانية يحتاجها المحلق أو المحلقان أو المحلقون في فضاءات الروح…ولهذا جاءت بعض المشاعر لا كلها …..
وفي حضرة كلمات ” الرفق” و” الطقوس” و” السكون ” و “الحنان” و ” السكون ” و” التحليق” تكون قد تبينت ملامح الروحية البارزة في النص.
وتعود الشاعرة بتواضع لخانة التعلم في لفظ ” لتدلني”، كأنها تبحث عن دليل التحليق المتجاوز للزمان والمكان والطقوس المادية المعروفة .
حين أطلقت على معالي ” أميرة الكلمات المقمرة” كنت مستقرئا كثيرا من إنتاجها ومتأملا بصدق وعمق استراتيجيات تعاملها مع الألفاظ ونظمها في صعيد واحد تغدو من خلاله الكلمات في علائق من التواشج والتعاضد والتآلف نسجا إبداعيا فريدا ….
يكفيني أن أقف هنا … فما أجمل التحليق في فضاءات معالي الروحانية الخلابة …

السبت، 23 يونيو 2012

يا ليل

يا لَيل الإبقاعِ الحِسِي
رِفقاً بأُنثى لا زالتْ تتعلم طُقُوس السَهر
سأدعُوكَ لوجبةِ إسترخاءٍ وسكُون
مع كُوبٍ ساخنٍ من الحنانْ
وبعض المشاعِر
لتدلنِي على نُقطة التحلِيقِ
من هُنا إلى ما لا نهاية!!
 
تحليل الخاطرة من قِبل د. سامِي إدريس
إنها مقطوعة حسّيّةسماوية الايقاع واللحن تمشي في إثرها متتبعاً خطوات هذه (الأنثى) التي ترجو (ليل الايقاع الحسى ) أن يرفق بها لأنها ما تزال غضّةً لا زالت تتعلم (طقوس السهر) . نعم فللسهر طقوس، كما جاء في أغنية أهل الهوى يا ليل، فهل نصدق الشاعر...ة أنها في ندائها ( يا ليل) تتوجه حقاً الى الليل منادية اياه، أم أنها واقعاً قصدت نديمها الليلي الذي يأخذ في إعداد طقوس ...السهرة الحافلة بالتحليق الى ما لا نهاية .ولتسمح لي الشاعرة التلاعب بهذه المقطوعة الصغيرة كالكرة أطيّرها في الأعالي ثم تسقط على الأرض ، ولكنها تظل كرةً لا تتكسر ولا تتغير، وتتدور فتراها من كل جهاتها نفس المنظر. وأنا أقصد هنا أنه حتى تكتمل أقانيم السهر لا بد من الشراب البارد الذي يهب الحرارة، وأن تستعمل الشاعرة الفعل (سأسقيك) سلافة الروح لا أن تدعوه الى (كوبٍ ساخن) من الحنان .إلا إذا قصدته طفلاً ، وإلاّ لماذا هذه السخونة ونحن في عز حرارة الصيف وهجيره وهل هذا يتماهى مع الوجبة الاسترخائية التي يكتنفها السكون؟ ثم لماذا (بعض المشاعر) وليس ( الحبّ كله ) . لكن الشاعرة لم تهتم بهذه الأقانيم فهدفها من كل ذلك هو أن يدلها على نقطة التحليق من (هنا) الى ما لا نهاية.. وهنا لها معان بعيدة في هذا المساق.. هنا تدلّ على المكان الذي وصلت اليه في مسراها وسفرها وتحليقها كالطائر والطائرة. ولا يخامرني شكٌّ في أن معالي تحبُّ السفر بل تعشقه وهو التحليق في السماء والأجواء والبلدان كطائر حرٍّ لا تقيّده نظرة أو كلمة او نمط حياة . إنّ هذه المقطوعة (الصغيرة) الكبيرة في تمددها وأبعادها الروحية الصوفية ( الى ما لا نهاية) أخذتنا فيها الشاعرة في رحلة ماتعة معها ، وما زالت تحلّقُ في الهواء . وأنا بتُّ أشعر أنني في تحليلاتي هذه أُفقدُ القصيدة طعمها الذي يقع في ذاكرة الحواس سريعاً ، وربما تكون الشاعرة لا تريدني التدخل وإمتاع قرائها.. بل تريدهم أن يسمعوا القصيدة ويرحلون معها في لحظتها مكتسبة أحاسيسهم مستحوذةً على قلوبهم دون تعليقات وتحليلات. وأحياناً يُخيلُ إلي أنني لو تركت القصيدة تقول بنفسها، وتعبر بنفسها الى روحنا لكان أفضل بكثير.. وأحياناً أراني أنا بحاجة الى مثل هذه الكتابة ليشاركني القراء هذه التجربة . مهما يكن فإنني أشكر الشاعرة من قلبي على أن زرعت داخلي ملكة الكلام .
 

الأحد، 17 يونيو 2012

قبل الأوان

لن أنتهِي قبلَ الأوان
وإن كان الزمانُ خطيئتِي
روحِي من هُناك
وأنا هُنا
الرسالةُ المسكوبةُ
بفوضى الشِعر
وزحمة الأقلام المارَّة
***
مجهولةٌ إقامتِي فوقَ الأرض
أتوسلُ حمامةً بيضاء
تحملنِي فوقَ كلماتِي
زائرة خفيفةَ الطعم
عمِيقة المعنى
وإن سافرَ إلى ما ملكت يداي
***
إمتلاك الغد
هوايةٌ لا أجِيد التحكمَ بها
خرافةٌ تنافسُ القدر
هاجسٌ يلعق تفكير البشر
يكفينِي أن أمسح الغُبار
عن نافذةِ المفردات
فالمكانُ ينتظر
والزمانُ يحتضر
ومندِيلي على كتفِي
يسابقُ أساطير الهواء
يركضُ خلفَ نَفسِي
التي لا تخصُ سوى الله